سورة الرحمن - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30)}
كل من أهل السموات والأرض مفتقرون إليه، فيسأله أهل السموات ما يتعلق بدينهم، وأهل الأرض ما يتعلق بدينهم ودنياهم {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} أي كل وقت وحين يحدث أموراً ويجدّد أحوالاً، كما روى: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تلاها فقيل له: وما ذلك الشأن؟ فقال: «من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا، ويرفع قوماً ويضع آخرين» وعن ابن عيينه: الدهر عند الله تعالى يومان، أحدهما: اليوم الذي هو مدّة عمر الدنيا فشأنه فيه الأمر والنهي والإماتة والإحياء والإعطاء والمنع. والآخر: يوم القيامة، فشأنه فيه الجزاء والحساب. وقيل: نزلت في اليهود حين قالوا: إنّ الله لا يقضي يوم السبت شيئاً. وسأل بعض الملوك وزيره عنها فاستمهله إلى الغد وذهب كئيباً يفكر فيها، فقال غلام له أسود: يا مولاي، أخبرني ما أصابك لعل الله يسهل لك على يدي، فأخبره فقال له: أنا أفسرها للملك فأعلمه، فقال: أيها الملك شأن الله أن يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي، ويشفي سقيماً ويسقم سليماً، ويبتلى معافاً ويعافى مبتلى، ويعز ذليلاً ويذل عزيزاً ويفقر غنياً ويغني فقيراً؛ فقال الأمير: أحسنت وأمر الوزير أن يخلع عليه ثياب الوزارة فقال: يا مولاي هذا من شأن الله.
وعن عبد الله بن طاهر أنه دعا الحسين بن الفضل وقال له: أشكلت على ثلاث آيات، دعوتك لتكشفها لي: قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين} [المائدة: 31] وقد صح أنّ الندم توبة وقوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} وقد صح أنّ القلم قد جف بما هو كائن إلى يوم القيامة. وقوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى} [النجم: 39] فما بال الأضعاف؟ فقال الحسين: يجوز أن لا يكون الندم توبة في تلك الأمّة. ويكون توبة في هذه الأمّة؛ لأنّ الله تعالى خص هذه الأمّة بخصائص لم يشاركهم فيها الأمم، وقيل إن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل، ولكن على حمله، وأما قوله: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) فمعناه: ليس له إلا ما سعى عدلاً، ولي أن أجزيه بواحدة ألفاً فضلاً، وأما قوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} فإنها شؤون يبديها لا شؤون يبتدئها، فقام عبد الله وقبل رأسه وسوّغ خراجه.


{سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ (31) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32)}
{سَنَفْرُغُ لَكُمْ} مستعار من قول الرجل لمن يتهدده: سأفرغ لك، يريد: سأتجرّد للإيقاع بك من كل ما يشغلني عنك، حتى لا يكون لي شغل سواه، والمراد: التوفر على النكاية فيه والانتقام منه، ويجوز أن يراد: ستنتهي الدنيا وتبلغ آخرها، وتنتهي عند ذلك شؤون الخلق التي أرادها بقوله: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} فلا يبقى إلا شأن واحد وهو جزاؤكم، فجعل ذلك فراغاً لهم على طريق المثل، وقرئ: {سيفرغ لكم}، أي: الله تعالى، {وسأفرغ لكم} و {سنفرغ} بالنون، مفتوحاً مكسوراً وفتح الراء، و {سيفرَغ} بالياء مفتوحاً ومضموماً مع فتح الراء، وفي قراءة أبيّ {سنفرغ إليكم} بمعنى: سنقصد إليكم، والثقلان: الإنس والجن، سميا بذلك لأنهما ثقلا الأرض.


{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36)}
{يامعشر الجن والإنس} كالترجمة لقوله: أيها الثقلان {إِنِ استطعتم} أن تهربوا من قضائي وتخرجوا من ملكوتي ومن سمائي وأرضي، فافعلوا، ثم قال: لا تقدرون على النفوذ {إِلاَّ بسلطان} يعني بقوّة وقهر وغلبة، وأنى لكم ذلك، ونحوه: {وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض وَلاَ فِي السماء} [العنكبوت: 22] وروى: أنّ الملائكة عليهم السلام تنزل فتحيط بجميع الخلائق، فإذا رآهم الجن والإنس هربوا، فلا يأتون وجهاً إلا وجدوا الملائكة أحاطت به. قرئ: {شواظ ونحاس}، كلاهما بالضم والكسر؛ والشواظ: اللهب الخالص. والنحاس: الدخان؛ وأنشد:
تُضِيءُ كَضَوْءِ سِرَاجِ السَّلِيطِ *** لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ فِيهِ نُحَاسَا
وقيل: الصفر المذاب يصب على رؤوسهم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إذا خرجوا من قبورهم ساقهم شواظ إلى المحشر. وقرئ: {ونحاس}، مرفوعاً عطفاً على شواظ. ومجروراً عطفاً على نار. وقرئ: {ونحس} جمع نحاس، وهو الدخان، نحو لحاف ولحف. وقرئ: {ونحس} أي: ونقتل بالعذاب. وقرئ: {نرسل عليكم شواظاً من نار ونحاساً} {فَلاَ تَنتَصِرَانِ} فلا تمتنعان.

1 | 2 | 3 | 4 | 5